بقلم// الاستاذ الدكتور عبد الحسين رزوقي الجبوري

من الظواهر السلبية الشائعة في مجتمعنا افتقاره لثقافة الانصات والاستماع في الحوار والجلسات ، وغالبا ماتظهر ثقافة الانصات حين يتم الحديث بين أثنين او اكثر ،وقد تتضح بشكل اكثر حين يدير مسؤولا جلسة تضم مجموعة من الافراد او استاذاً يقدم محاضرة لمجموعة من الطلاب او المتدربين ، اوخطيب يلقي خطبة لجمهوراو مجموعة من الناس او مقدم برامج يستضيف ضيفاً او مجموعة ضيوف، في هذه المواقف يلاحظ ان هناك من يتحدث مع من هو بجانبة دون الاكتراث لما يتحدث به من يقدم المحاضرة او الجلسة او الاجتماع ، اوهناك من يقاطع ذلك المُحاضِر قبل ايصال فكرته . فمن خلال معايشة الواقع نلاحظ ان عدم الانصات للحديث في عالمنا العربي لايتقيد بعمر اومستوى تحصيل دراسي اوجنس معين ، ومما يخلق حالة من الانزعاج لمن يقدم الجلسة ، ان اسباب هذه الظاهرة يعود اساساً للتنشئة الاسرية التي لم تركز على تعويد الطفل على الانصات وعدم اعطاء اهمية لذلك ، يتبعه مرحلة الروضة والمدرسة اذ لايتم فيهما التركيز على ثقافة الانصات . فمسؤولية نشرهذه الثقافة تقع على الاسرة والروضة والمدرسة ، وهنا نشير الى أسبقية ذلك هو من مسؤولية الاسرة اولاً ، لأنها كانت ولاتزال الاساس في تحديد الانماط السلوكية للأبناء، وامام هذه المسؤولية تتعقد الالية في كيفية حث الاسرة على تعويد الابناء على الانصات بسبب التباين الثقافي والاساليب التي تتبعها الاسرة في التنشئة ، وتأسيساً على ذلك فهل نركزعلى وسائل الاعلام المتنوع في نشر ثقافة الانصات وتشجيع الاسرة على ذلك ؟ يقيناً هذا ليس امراًسهلا لان التباين بين الاسر لا يضمن لنا ان جميع الاسر تتابع الصحافة المكتوبة والالكترونية وبرامج القنوات الفضائية المهتمة بثقافة الانصات ،والتنبوء بان التغييرقد يحصل وفق قنوات الاعلام يصعب التأكد منه لكونه يقدم باوقات غير محددة لا نضمن ان الاسرة تتابعه وربما لايعتمد الاعلام المتنوع على خطط تضع في اولوياته نشرهذه الثقافة امام ثورة المعلوماتية وانتشارالواسع للمعرفة ، وهنا يبقى الدورالاكبر في نشر هذه الثقافة على قاعدة الهرم في السلم التعليمي الذي هو كل من رياض الاطفال والصفوف الاولى من المرحلة الابتدائية ، فهذه المرحلة تعد اساسا للتعويد على السلوك الايجابي ، ووفق مبدء التغييرالذي يحدث في الطفولة فأن الطفولة يمكن ان تؤدي الدور المطلوب في أشاعة ثقافة الانصات ويمكن ان يتم في البرامج المدرسية وهوان يتعود الطفل على الاستماع والانصات لمن يتحدث وفهم مايقول له وليس التركيز على الرد فقط وهذا يجعل الافراد يشعرون بمزيد من الثقة والتأكيد وسيشجع التواصل الأكثر انفتاحاً وشفافيةً. من ناحية أخرى،وحينما نُعَود الفرد ان يستمع فقط بهدف الرد، سوف يتشتت الانصات ويتوقف عن الاستماع جزئيًا.، ويفكر بماذا يرد فينبغي من يحاضر أن يبين ان ما يطرحه هو يتطلب التركيز على الاستماع وليس التفكيرعلى الرد مع تشجيع الافراد على الاستماع لبعضهم البعض.
ان إحدى الطرائق لتشجيع الانصات هي أن تسأل الناس عما سمعوه للتو وما يفكرون فيه. اذ يؤدي ذلك إلى صقل مهارات الانصات لديهم مع تشجيع الاستجابة المدروسة أيضًا، علاوة على ذلك، فإن مطالبة الطلبة بإخبارالمدرس بأفكارهم حول ما سمعوه للتو يشير أيضًا إلى أن المحاضر مهتم بهم وبأفكارهم، مما يوضح كيف يمكن القيام بذلك بين الطلبة أنفسهم.
وان أكثر الافراد يتحدثون اكثرمما يستمعون ، ولا يستطيع معظمنا أن يدعي أننا ننصت جيدًا باستمرار. ان ثقافة الانصات الفعال تعتمد على الثقة بما نسمع والصراحة وتشجيع الشفافية ولكي تكون ثقافة الإنصات ذات فاعلية ، ينبغي أن يتم التركيز في الاعداد الاعلامي في كليات الاعلام على من يقوم بمهمة اعلامية ان يتصف بروح الصبر ولا يقاطع الشخص الذي يجري اللقاء معه أو يحاول أن يضيف له عبارات ، مما قد يشوه الفكرة او وقد يسبب له الكثير من الإحراج. وعدم المقاطعة،والانتظار حتى ينتهي من حديثه، ومحاولة فهم الموضوع كما يريده المتحدث لا كما يريده الاعلامي ، اي الابتعاد عن التكلم بكلام لم يرد في حديث المتحدث وان يكون الاعلامي منصتاً جيدا والتحلي بالصبر والحلم والسكون والوقار وكما قيل: أول العلم الصمت ثم حسن الاستماع والانصات.
فالتسرع بالردود قبل الانصات الكامل والانتهاء من الحديث واللجوء الى الانصات الجزئي ، ربما يهدد العلاقات الاجتماعية وربما تظهر مشكلات غير متوقعة ، اويؤدي الى اصدار تقيمات سلبية ، و إعطاء الفرصة الكاملة للمتحدث ليعبرعن مراده فحقيقة الامر لو اردنا شيوع ثقافة الانصات لابد من الاستعداد المبكر والاستمرار ببرامج ارشادية لتنمية ثقافة الانصات .
ان عدم الالتزام بثقافة الانصات هو مخالف لمافطر الله سبحان هوتعالى فالانسان خلق بلسان واحد واذنيين اثنتين وهي رسالة لنا ان نسمع وننصت اكثر مما نتحدث ،فهل نتوقع ان يحصل ذلك ؟ فالاجابة بنعم ولكن بشرط ان يتم تدريب الشخصية الانسانية على هذه الثقافة التي ارتبطت بالثقافة العامة للفرد وهي مظهر من مظاهر الرقي والوعي .
وهي ترتبط ارتباطا كبيرا بثقافة الحوارالذي احد مقوماته الناجحة هو الانصات ، فثقافة الحوار تحتاج الى تقنيات مرتبطة بالانصات فليس هناك حوار ناجح بدون انصات كلي ، لذلك التركيز على ثقافة الانصات مقدمة مهمة للتعامل الانساني الناجح اذ نحتاج الى الكثير من المواقف الحياتية في المؤسسات التربوية التي تمهد لاعتماد الانصات في جميع المواقف الحياتية ولقد طلب القران الكريم ان نتبع الإنصات هو الاستماع مع ترك الكلام، وقد أمر الله تعالى عباده المؤمنين بالاستماع والإنصات إلى القرآن الكريم، ووعد على ذلك بالرحمة؛ فقال تعالى: “وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ” [الأعراف:204]. ويجب الإنصات لتلاوة القرآن في الصلاة الجهرية لمن كان مأمومًا. والإنصات للقرآن الكريم من أهم الوسائل المعينة على فهمه وتدبر معانيه. والقرآن الكريم إنما أنزل ليتلى ويفهم معناه ويطبق في حياة الناس، ولا يتأتى ذلك إلا بقراءته بتدبر والإنصات إليه بخشوع، فذلك من أهم ما يعين على حصول المقصد الأساسي من إنزال القرآن، الذي هو التدبر والفهم والتطبيق. قال الله تعالى: ” ﴿ كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ
وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ [ ص: 29] ، لذلك من العادات المكروه في مجالس العزاء حين يقرء القرأن نجد هناك من لاينصت للتلاوة وقال تعالى: ” ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ۚ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾[ سورة النساء: 82]
. وقال تعالى: ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾ [ محمد: 24]. فالإنصات المطلوب إذن هو الإصغاء لقراءة القرآن، وعدم الانشغال عنها بغيرها في أثناءها.وتبقى ثقافة الانصات غاية لكل المجتمعات لكي تعتمدها ،وتسعى لتحقيقها فهي دلالة ومؤشرعلى الرقي و التطور والتعامل الانساني الايجابي الذي تظهر اثاره على حياة الانسان في دنياه وآخرته ..

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here